لماذا تهمنا هذه القضايا؟ رحلة نحو عالم أكثر عدلاً
- أساور الأبلق
- Oct 9
- 3 min read
بقلم أساور الأبلق

لطالما تساءلت: لماذا تبدو مشاكل العالم كمتاهة لا نهاية لها؟ حين نفكر في التغير المناخي، يعتصرنا الخوف. وعندما نسمع عن الهجرة، يتضاعف قلقنا. لكن عند التمعن، يتضح أن هذه القضايا ليست منفصلة، بل هي خيوط متشابكة في نسيج واحد يحدد شكل عالمنا ويضع أمامنا اختبارًا حقيقيًا لمعنى العدالة الاجتماعية. تجاهل هذا الترابط ليس رفاهية فكرية، بل فشلًا أخلاقيًا يعمّق الانقسامات ويزيد من معاناة الأكثر هشاشة.
المناخ والهجرة: القضايا العادلة والمستمرة
هل تساءلنا يومًا لماذا تتأثر بعض المناطق أكثر من غيرها بالتغير المناخي؟ الأمر ليس مجرد سوء حظ. غالبًا ما تدفع المجتمعات الفقيرة، خاصة من الأقليات، الثمن الأكبر للأزمات البيئية. هؤلاء لم يتسببوا في تلوث الكوكب، ومع ذلك تواجه منازلهم الدمار بسبب الجفاف والفيضانات والعواصف التي لا ترحم. هذه ليست أزمة بيئية فحسب، بل قضية عدالة مركزية: من يتحمل المسؤولية، ومن يتحمل العواقب؟
ومع اضطرار هؤلاء الأشخاص للرحيل، تبدأ رحلة الهجرة القاسية، حيث تتضاعف التحديات بالنسبة للنساء اللواتي يواجهن معاناة مضاعفة، بما في ذلك العنف والتمييز وسوء المعاملة. الهجرة هنا ليست مجرد انتقال جغرافي، بل صراع مستمر من أجل البقاء، وهو اختبار للسياسات الإنسانية والأخلاقية في العالم. يجب أن تكون قلوبنا، كما سياساتنا، أكثر إنسانية. الهجرة لا يمكن أن تُفهم بمعزل عن العدالة المناخية والاقتصادية والاجتماعية.
الذاكرة وحرية التعبير: أصوات لا يمكن إسكاتها
حقوق النساء وحقوق الأقليات ليست مطالب جديدة فحسب، بل هي استدعاء للذاكرة الجماعية التي تم تهميشها وتشويهها عبر القرون. تذكر الماضي ليس رغبة في الانتقام، بل ضرورة للتعلم وضمان عدم تكرار الظلم. التهميش التاريخي يخلق فجوات معرفية تؤثر على الحاضر والمستقبل، واستعادة هذه الذاكرة هي خطوة حاسمة لإعادة العدالة الاجتماعية.
هنا يظهر دور حرية التعبير كأداة قوية للتغيير. إنها ليست مجرد حق في الكلام، بل وسيلة لفضح الظلم، ودعم المستضعفين، والمطالبة بالعدالة. ومع ذلك، لا يمكن الاستهانة بالتحديات التي تواجه هذه الحرية؛ فالكثيرون يُسكتون حين يطالبون بالتغيير الجذري. حرية التعبير ليست رفاهية فكرية، بل خط الدفاع الأول ضد الظلم المؤسسي والاجتماعي.
السياسة ليست مجرد لعبة
قد تبدو السياسة أحيانًا معقدة ومملة، لكنها في الواقع المجال الذي تُصاغ فيه القوانين والقرارات التي تحدد مصائرنا اليومية. غياب النساء والأقليات عن هذه العملية يعني أن القرارات لا تمثل الجميع، وأن العدالة تصبح شعارًا بلا مضمون. السياسة ليست مجرد صراع نفوذ، بل اختبار حي لقدرة المجتمع على احترام التنوع وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات.
إن الجمع بين حقوق النساء، والمناخ، والهجرة، وحرية التعبير، والذاكرة الجماعية، يشكل المعيار الحقيقي للعدالة الاجتماعية. العدالة ليست شعارًا يرفع على اللافتات، بل رحلة مستمرة نحو بناء عالم يمكن فيه لكل إنسان، بغض النظر عن جنسه أو أصله أو لونه، أن يعيش بكرامة وأمان. هذه القضايا ليست مجرد مقالات نقرأها، بل حكايات نعيشها، ودعوة صريحة للمشاركة الفاعلة في التغيير.
المتلقي: بين وعي زائف وخداع محسوب
الأدهى أن جمهورنا غالبًا ما يظن أنه جزء من النقاش، بينما هو في الحقيقة مستهلك لأفكار جاهزة، مُعاد تدويرها بعناية. يردد العبارات التي لقّنها له الإعلام والخطاب السياسي، ويعتقد أنه يمارس التفكير النقدي، بينما كل ما اكتسبه هو نسخة معدلة من جهله القديم. هذا الخداع لا يتوقف عند التضليل اللحظي، بل يزرع مناعة طويلة الأمد ضد الحقيقة والوعي النقدي. ما يظهر كحرية تعبير هو في الواقع قيد محكم، يُفرض على العقل بذكاء: يُحاط الجمهور بصدى الأصوات نفسها، تحت ستار التعددية والتنوع.
لغة مصقولة، جوهر فارغ
القاموس السياسي اليوم مليء بالكلمات اللامعة: "الاستقرار"، "المصلحة الوطنية"، "الحوار البناء". كلمات تلمع كقطع نقدية جديدة، لكنها فارغة من المضمون، صُممت للسيطرة على التفكير، وليس لتحفيزه. الأكاذيب الصغيرة تتحول إلى لغة يومية، والأوهام تصبح جزءًا من التداول العادي للكلام. ما بدأ كاتفاق صغير بين ضيف ومقدم ومالك قناة يتحول إلى حقيقة متداولة، يعيشها الناس ويعيدون إنتاجها في حياتهم اليومية، من مقاهٍ إلى منصات التواصل الاجتماعي.
استبداد متخفٍ في زي الحرية
أخطر أشكال الاستبداد اليوم لا يأتي بالعصا، بل يتخفى خلف لغة الحرية نفسها. قمع محسوب بالثواني والإيماءات، يخفى وراء شعارات مثل "التوازن بين الآراء" و"إدارة الوقت"، لكنه يقتل روح النقد والوعي، ويعيد تعريف التضليل كحقيقة. حرية التعبير تتحول إلى سلعة تُباع، والمواطن يدفع ثمنها مرتين: من وعيه ومن ثقته.
العدالة الاجتماعية كاختبار حقيقي
في نهاية المطاف، كل هذه القضايا تصب في وعاء العدالة الاجتماعية. لا يكفي التحدث عنها أو قراءتها؛ علينا أن نشارك بوعي في تحقيقها، وأن نضغط على السياسات لتصبح عادلة، وأن نضمن أن أصوات الجميع، لا سيما الأكثر هشاشة، مسموعة ومؤثرة. العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار، بل اختبار حي لعالم يظل إنسانيًا في مواجهة أزمات المناخ والهجرة والتمييز ونسيان التاريخ.
هذه القضايا هي ما يحمسني ويحفزني على الكتابة: ليست مجرد نصوص نقرأها، بل دعوة لنكون جزءًا من التغيير، رحلة نحو عالم أكثر عدلاً ومساواة، حيث لا يُقمع صوت أحد، ولا تُهمش كرامة أي إنسان.
أساور الأبلق، كاتبة تستكشف في عالم الكلمات صدى الأصوات التي نخشى سماعها. من خلال مقالاتها، تنقب في الذاكرة الجماعية بحثًا عن قصص العدالة الاجتماعية، وتضيء على حقوق المهمشين، سواء كانوا نساءً، أقليات، أو مهاجرين.
الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.





Comments