top of page
  • Instagram

في زمن الصمت: صرخة من قلب الركام

  • Writer: شذا برهوش
    شذا برهوش
  • Sep 30
  • 2 min read

بقلم شذا برهوش


أمرأة وسط الركام

في زمن يطالبون فيه الأقلام أن ترسم قوس قزح، أجد نفسي عاجزة عن تزيين الواقع بألوان زائفة. لست مؤرخة، ولا أملك أجندة سياسية، لكنني أسير في هذا العالم وقلبـي معلّق على كفي، أكتب بين الحب والخوف، بين الطمأنينة والموت، لأقول إنني الدائرة التي لا بداية لها ولا نهاية.


لقد أغلقنا نوافذنا بالصمت، ومع ذلك تسللت الحياة من بين الشقوق، تحاول أن تواسي جراحنا بياسمينٍ ينمو بين الخراب. خلف كل نافذة قصة مبتورة، ووجع يسكن القلوب كزمهرير قاسٍ، ومع كل تنهيدة نكتم عجزنا ونحاول أن نطرد الوجع وكأنه آخر الضيوف. لكن أي وجع هذا الذي يستعصي على الرحيل؟ أهو مرارة دواء أم سمّ لا ترياق له؟


الحروب التي تجتاح عالمنا صارت أكثر مرارة من العلقم. السماء تبكي كلما عانقت أرواح الشهداء، وتلوّن وجهها بالدم الأحمر عوضًا عن زرقتها. النجوم تُطفأ قسرًا، والقمر يُوارى خلف غيوم محمّلة بالدماء لا بالماء.

على هذه الأرض، يسمع المرء صراخ الأطفال وبكاء الأمهات أكثر مما يسمع زقزقة الطيور. من الزيتون خرجت القنابل، ومن الطفولة وُلد الموت.

أيها العرب..


لقد لفظت عروبتنا أنفاسها الأخيرة يوم مات الشرفاء، ويوم تواطأنا مع الصمت. لم يعد وجهها هو الوجه الذي عرفناه، بل صار قناعًا مبللًا بالدم. الكرامة العربية باتت عقيمة، لا تنجب سوى مزيد من الوجع والذل. نحن ندفن حبّنا في ثلاجات باردة، ونستبدله بكرهٍ يتغذى من رائحة الدم. حتى الهواء الذي نتنفسه ملوّث، لا بالفساد وحده، بل بغازات الحرب ورصاص البنادق.


الصمت الذي نحياه اليوم ليس حيادًا، بل قناع يحجب هزيمة العاطفة.

قوانين هذا العالم لا تنصف من لا يملك سلطة أو مالًا. الكلمات سُرقت من أفواه الفقراء، حتى الجياع لم يعد يُسمح لهم بالشكوى. أمّا التاريخ الذي يُدرَّس لنا، فمزيّف، ملطّخ بالكذب والتواطؤ، لا يحفظ الحقيقة بل يدفنها.


يا سيدي المسؤول…


العالم لم يُخلق لكم وحدكم، ولا الكراسي وُجدت لتورَّث بينكم. في هذا الوطن مواهب مطموسة وأحلام دفينة تبحث عن النور. شبابنا، رغم الجراح، يصنعون الأمل من لا شيء، يكدّون بحثًا عن قوت يومهم، يواسون أجدادهم ويمسحون دموع أطفال حاراتهم. الأمهات لا يطهين المقلوبة كما كان الحال، بل يلهثن وراء كيس طحين وقطرات ماء.


يا عاشق الكرسي…


لدينا عقول نيرة وشهادات تحملها أيادٍ أنهكها القصف. في خزائننا ملابس معطّرة برائحة الزيتون، لكنها اليوم مغطاة بغبار الصواريخ. أطفالنا يستحقون أن يركضوا في الحقول لا أن يختبئوا في الملاجئ.


يا صاحب الخطابات الجوفاء…


عالمنا ليس لك وحدك. هو لنا نحن الأطفال الذين شُرّدوا، والأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، والشباب الذين يركضون خلف فرصة حياة. إذا كنتَ قد شبعت من الفرح، فاترك فتاته لهؤلاء الذين لم يعرفوا سوى طعم الحزن. دعهم يبنوا عالمًا يشبههم، عالمًا يضيء ببراءتهم، ويمتلئ برائحة المطر لا البارود.

سيأتي يوم ينهض فيه هذا الجيل من تحت الركام، يهدم أسوار القهر، ويغازل شمس الربيع، ويعلن أن الفجر لا بد أن يبزغ مهما طال الليل.

يا سيدي…


خذ ما تبقى من إنسانيتك وارحل بصمت.


شذا برهوش، كاتبة ومدونة فلسطينية، تكتب المقال الإبداعي الواقعي وتنقل الألم بلغة أدبية مضيئة. نشرت أعمالها في منصات عدة منها "بنفسج" و"شبكة فلسطين للأنباء".

الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.


Comments


bottom of page