top of page
  • Instagram

أنا طفلة من غزة: هذا ما أراه في عيون نسائنا

  • Writer: أريج بلال
    أريج بلال
  • Sep 28
  • 2 min read

بقلم أريج بلال


ree

أنا طفلة من غزة، وحين أنظر في عيون نسائنا أرى كل ما لم يقله التاريخ كاملًا. في كل نظرة منهن تختبئ حكاية، وفي كل ابتسامة نصف منطفئة يسكن صراع طويل مع الألم والأمل. على مرّ العصور، حاولت بعض المجتمعات أن تدفن أصوات النساء في الهوامش، فحُرمن من التعليم والميراث والمشاركة في القرار، لكن الحكايات لم تختفِ أبدًا. ملكات ومصلحات وشاعرات وعالمات تركن بصماتهن على وجه العالم: من كليوباترا والملكة بلقيس إلى هيلين كيلر، ومن اللواتي قُدن جيوشًا إلى اللواتي ألهمن شعوبًا بأقلامهن وأفكارهن.


في القرون الأخيرة، ارتفعت الأصوات النسائية أكثر وضوحًا، فخرجت الحركات النسوية تطالب بحقوق التعليم والتصويت والمشاركة السياسية والمساواة أمام القانون، لتصنع تغييرات تاريخية لا تزال في طور الاكتمال حتى يومنا هذا. فالنساء لم يطلبن امتيازًا، بل حقًا طبيعيًا في الحياة، في المشاركة، وفي الحلم.


اليوم، ورغم ما تحقق من إنجازات ملموسة، فإن الطريق ما زال مليئًا بالتحديات. صحيح أن الفتيات يملأن الجامعات، وأن النساء يتولين المناصب العليا، ويقدن مؤسسات اقتصادية وثقافية وإعلامية مؤثرة، إلا أن فجوة الأجور لا تزال قائمة، والصور النمطية تقيّد أحلام كثيرات، والعنف بأشكاله المختلفة يطاردهن في البيت والشارع وأماكن العمل. والتمثيل السياسي، رغم تقدمه في بعض الدول، غالبًا لا يعكس حجم مساهمتهن الفعلي في المجتمع.

في غزة، تتضاعف هذه التحديات. أرى أمي وأخواتي يواجهن يوميًا معركة البقاء: البحث عن الماء والطعام، تدبير شؤون البيت وسط الحصار، والسير في شوارع مزدحمة ومثقلة بالقهر. نساؤنا يعشن تحت قيود اقتصادية وسياسية هائلة، ومع ذلك لا يتوقفن عن النضال من أجل التعليم والعمل، ولا يتراجعن عن حقهن في أن يكون لهن مكان وصوت في مجتمعهن.

وفي كل هذا الصراع، يتجلى معنى العدالة الاجتماعية التي نحلم بها: أن تتحول من مجرد شعارات إلى واقع، حيث تحصل النساء على فرص حقيقية للحياة الكريمة، ويُستمع إلى أصواتهن باحترام، ويُعترف بأن تمكينهن ليس رفاهية، بل أساس لبناء مجتمع قوي قادر على التغلب على الحصار والظروف القاسية.


لكن الحقيقة أن القوانين وحدها لا تكفي. فحتى لو تغيرت النصوص، تبقى الثقافة هي الميدان الأوسع للمعركة.

نحن بحاجة إلى إعلام يبرز النماذج الناجحة بدلًا من تكريس الصور الباهتة، إلى مبادرات تُشجع الفتيات على دخول مجالات العلوم والتكنولوجيا والسياسة، وإلى دعم مشاريع صغيرة تقودها النساء ليصنعن من خلالها تغييرًا ملموسًا. نحن بحاجة أيضًا إلى أن نفهم أن العدالة تبدأ من الاعتراف بقيمة النساء كجزء لا يتجزأ من المجتمع، لا كاستثناء أو كصوت ثانوي.

رغم كل المصاعب، تظل نساء غزة مصدر إلهام. أراهن يدرسن، يعملن، يبتكرن طرقًا للبقاء، ويساعدن بعضهن البعض في أشد اللحظات قسوة. منهن من فقدت بيتها أو أحبتها، لكنها لم تفقد قدرتها على النهوض. هؤلاء النساء يُعلمننا أن القوة لا تأتي من الظروف السهلة، بل من القلب المملوء بالأمل. كل يوم يثبتن أنهن الأساس الحقيقي لمجتمع متماسك، وأن تمكينهن ليس خيارًا، بل طريقًا نحو مستقبل أعدل وأجمل.


أنا طفلة من غزة، أحمل هذه المشاهد في قلبي، وأكتبها كما أراها. أؤمن أن العدالة الاجتماعية تبدأ حين ندعم النساء ونمنحهن فرصًا حقيقية، لأن المجتمع من دونهن يظل ناقصًا، والأمل بعيدًا المنال. نساؤنا، رغم كل الألم، يقدمن لنا درسًا حيًا في الصمود والشجاعة، ويمنحننا نحن الأطفال حلمًا بأن الغد قد يكون أكثر عدلًا ورحمة، وأن الأمل يولد حتى تحت الركام.

أريج بلال، ولدت عام 2009 في غزة، كاتبة فلسطينية شابة. تكتب من قلب النزوح، تعكس الصمود والأمل، وتهدف إلى نقل قصص فلسطين الإنسانية من خلال كلماتها.

الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.


Comments


bottom of page