الأمثال الشعبية: بين تعليم القيم وترسيخ القوالب النمطية
- نيسابا ميديا
- Sep 9
- 3 min read
كيف يمكن للأمثال الشعبية أن تشكّل وعي الأطفال والمجتمع، وتؤثر على تصوراتهم تجاه الجنسين والأدوار الاجتماعية؟

نيسابا ميديا
الأمثال الشعبية جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي لأي مجتمع، فهي ليست مجرد جمل قصيرة يُتداولها الناس في أحاديثهم اليومية، بل تحمل في طياتها خبرات متراكمة وحِكم متوارثة عبر الأجيال. وتأتي هذه الأمثال كأداة لتعليم الأطفال والكبار على حد سواء، فهي وسيلة لتفسير سلوكيات المجتمع، ونقل الدروس الأخلاقية، وتعليم اللغة بطريقة جذابة وشيّقة. ومع ذلك، لا يخلو هذا التراث من سلبيات، إذ يمكن للأمثال أن ترسخ قوالب نمطية، وتغذي التصورات الخاطئة حول أدوار المرأة والرجل، والعلاقات الأسرية، والاجتماعية.
في الإمارات، على سبيل المثال، حرصت مشاريع ثقافية حديثة على استخدام الأمثال الشعبية كأداة تعليمية للأطفال بطريقة إيجابية.
كتاب الأطفال «من سبَق لبَق»، الصادر عن مشروع «بحر الحكايا»، يقدّم مجموعة من الأمثال الشعبية الإماراتية ضمن نصوص قصصية مشوّقة، تربط بين المثل والحدث الواقعي في حياة الطفل اليومية. على سبيل المثال، يستخدم المثل الشعبي لشرح مواقف معينة، مثل رفض الطفل لأمر والدته بطريقة مبسطة ومفهومة، ويُحوّل الحكمة إلى درس عملي يمكن للطفل تذكره بسهولة. هنا، يظهر الوجه الإيجابي للأمثال الشعبية: تعليم الأطفال قيم الصبر، الاحترام، التعاون، والحكمة، بطريقة محفزة ومرئية، دون أن يشعر الطفل بثقل التعاليم النظرية الجامدة.
لكن الأمثال الشعبية في بعض المجتمعات الأخرى تحمل أبعاداً أكثر تعقيداً، خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة ودورها الاجتماعي.
في مصر وسوريا، على سبيل المثال، تُظهر الأمثال الشعبية نظرة محددة للمرأة، غالباً ما تركز على الجمال الخارجي، الإنجاب، أو الخضوع لدور الأسرة الممتد. من الأمثلة المصرية الشائعة: «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، و«الحما حمة ولو كانت ملكة من السماء»، و«الست اللي ما بتخلفش زي الضيف».
هذه الأمثال تحمل رسائل ضمنية عن العنف، التوقعات الاجتماعية، والتمييز بين الجنسين، حيث يُنظر إلى المرأة أساساً من منظور وظائفها داخل الأسرة، أو كمصدر للمتعة البصرية للآخرين.
في سوريا أيضاً، تظهر الأمثال الشعبية وجهة نظر محددة للمرأة، مثل: «لسان البنت متل شعرها كل فترة بدو قص»، و«المرا متل الزيتون ما بيحلى إلا بالرص»، و«مكتوب عباب الجنة بعمرا حماية ما بتحب كنة». هذه الأمثال، رغم ما تحمله من روح الدعابة، ترسخ القوالب النمطية عن المرأة: فهي كثيرة الكلام، ماكرة، مرتبطة بالبيت والأطفال، وعلاقاتها محدودة ضمن إطار الأسرة الممتدة.
كما تعكس الأمثال السورية أيضاً نظرة سلبية تجاه الرجال، مثل: «يا مآمنة بالرجال، يا مآمنة بالمي بالغربال»، ما يزرع فكرة انعدام الثقة في الزوج ويبرر السلوك العدواني تجاه المرأة.
إذاً، بينما تمثل الأمثال الشعبية أداة تربوية قوية، فإنها أيضاً وسيلة لترسيخ الانحيازات الاجتماعية. الأمر يتطلب منا توازناً في فهم هذه الأمثال: الاستفادة من حكمتها وتعاليمها الإيجابية، وفي الوقت نفسه نقد الجوانب التي تعزز العنف الرمزي، التمييز، والأدوار النمطية التي قد تؤثر على الأطفال والمجتمع بشكل سلبي.
على سبيل المثال، يمكن للمربين والآباء استخدام الأمثال بطريقة واعية لتعليم الأطفال قيم التعاون، الصبر، والاحترام، مع توضيح أن بعض الأمثال القديمة لا تنطبق على الواقع الحالي.
في الإمارات، نجد أن هذا التوازن موجود، حيث يُستخدم المثل ليس فقط لنقل الحكمة، بل لتعليم الطفل التفكير النقدي والقدرة على تفسير المواقف المختلفة ضمن إطار قصصي جذاب. هنا، يتحول المثل من مجرد جملة متكررة إلى أداة فعالة لصقل مهارات الطفل العقلية والاجتماعية.
في المقابل، تجاهل هذا النقد عند التعامل مع الأمثال قد يؤدي إلى ترسيخ صور نمطية. عندما تُعرض الأمثال على الأطفال دون شرح أو سياق، قد يعتقد الطفل أن كل امرأة يجب أن تكون جميلة، وأن دورها الأساسي هو الإنجاب، أو أن الرجل دائمًا على حق، والمرأة دائمًا خاضعة. هذه الرسائل، رغم بساطتها، قد تؤثر على نظرة الأطفال لأنفسهم وللآخرين، وتشكل قيوداً على طموحاتهم وسلوكياتهم المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأمثال دوراً كبيراً في نقل القيم بين الأجيال، لكن نقلها دون وعي يجعلها أداة لتكرار الانحيازات القديمة. الأمثال التي تتعلق بالحماة والكنة، مثل: «الحماية ما بتحب الكنة ولو كانت حورية من الجنة»، تُظهر صراعات تاريخية بين النساء داخل الأسرة الممتدة، وتعلّم الأطفال أن الخلافات المنزلية جزء من الحياة الطبيعية، لكنها لا تقدم حلولاً بناءة لإدارة العلاقات أو تعزيز التعاون بين أفراد الأسرة.
وهنا يبرز دور التربية الواعية. يمكننا الاستفادة من الأمثال الشعبية في تعزيز الوعي الثقافي لدى الأطفال، تعليمهم كيفية التعامل مع الآخرين، وفهم الحكمة المستمدة من تجارب الأجيال السابقة، دون ترسيخ القوالب النمطية.
التربية الحديثة تستفيد من الأمثال كأداة تعليمية إذا تم ربطها بالقيم الأخلاقية والعلمية والاجتماعية، ومناقشتها ضمن سياق معاصر يعكس المساواة بين الجنسين، ويشجع على التفكير النقدي والتمييز بين الصواب والخطأ.
ختاماً، الأمثال الشعبية تمثل كنزاً ثقافياً هائلاً، فهي تحمل خبرات الأجيال وحكمتهم، وتُستخدم كأداة تربوية لتعليم الأطفال والكبار.
لكنها في الوقت نفسه مرآة للانحيازات الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بأدوار المرأة والرجل، والعلاقات الأسرية والمجتمعية. التحدي أمامنا هو القدرة على الاستفادة من الجانب الإيجابي للأمثال، وفي الوقت نفسه تصحيح أو نقد الرسائل السلبية، بحيث تظل الأمثال الشعبية وسيلة لتعزيز القيم والأخلاق، دون أن تتحول إلى أداة لترسيخ الانحيازات أو القوالب النمطية.
إن التعامل الواعي مع الأمثال الشعبية يُمكّن الأجيال الجديدة من فهم ثقافتهم وتراثهم، وفي الوقت نفسه تطوير قيم العدالة والمساواة، وبناء مجتمع أكثر وعيًا ونضجًا، يقدر التراث ويواكب العصر. في النهاية، الأمثال ليست مجرد كلمات تتداول، بل أدوات لتشكيل وعي الإنسان، ولتوجيهه نحو مجتمع أكثر عدلاً وفهماً لبعضه البعض.





Comments