التعليم وحقوق المرأة: مستقبل يبدأ من مقعد الدراسة
- مرسلي هاجر
- 3 days ago
- 3 min read
بقلم مرسلي هاجر

كلما سمعت عن فتاة صغيرة حُرمت من المدرسة، أشعر بشيء يُكسر في داخلي. التعليم ليس مجرد كتب وامتحانات، بل نافذة على العالم، وحلم يجعلنا نرى الحياة بشكل أوسع. ومع ذلك، آلاف الفتيات في منطقتنا ما زلن خارج أسوار المدارس. كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم إذا كان نصفه محاصرًا بالجهل؟
التعليم ليس رفاهية، بل حق أساسي يكفله القانون الدولي والدساتير الوطنية. ومع ذلك، الواقع يختلف: آلاف الفتيات يُحرمْن من هذا الحق بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية.
الواقع كما أراه
في قريتي وبلدي، رأيت صورًا متناقضة: بنات يذهبن إلى الجامعة ويصبحن طبيبات ومهندسات، وأخريات توقفت أحلامهن عند الصف الابتدائي بسبب الزواج المبكر أو بعد المدارس وخطر الطريق. هذه ليست قصصًا فردية، بل واقع متكرر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تشير إحصائيات اليونسكو إلى أن أكثر من 60 مليون فتاة حول العالم محرومات من التعليم، أكثر من ثلثهن في الدول العربية والأفريقية. في الجزائر، ورغم التحسن في نسب تعليم البنات، ما زالت بعض المناطق الريفية تشهد نسب انقطاع مرتفعة، خصوصًا في التعليم المتوسط والثانوي.
التقاليد أحيانًا أقوى من القانون، والفقر أقسى من أي حلم. هناك أسر تعتبر تعليم البنت "ترفًا"، بينما تعليم الولد "واجب". هذه العقلية تجعل الفتاة آخر من يُفكر في مستقبله وأول من يُضحى به عند مواجهة الأسرة لضغوط مالية.
ماذا نخسر حين تُحرم الفتاة من التعليم؟
حرمان الفتاة ليس خسارة فردية فقط، بل جماعية:
على المستوى الفردي: فقدان الاستقلال الاقتصادي، زيادة التعرض للعنف والتمييز، تراجع الثقة بالنفس والقدرة على التعبير.
على الأسرة: الأم غير المتعلمة لا تستطيع مساعدة أطفالها في الدراسة، ويزداد احتمال استمرار دائرة الفقر عبر الأجيال.
على المجتمع: خسارة نصف طاقته البشرية، تراجع الاقتصاد، وبطء التنمية، وسيطرة الرجال على السياسة.
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن الدول التي تستثمر في تعليم النساء تحقق زيادة تصل إلى 20% في الناتج المحلي الإجمالي خلال جيل واحد. التعليم ليس مسألة عدالة فحسب، بل خيار اقتصادي ذكي.
قصص تُلهمني
أستذكر قصة ملالا يوسفزي، التي حاولوا قتلها لتمسكها بحق الفتيات في التعليم، لكنها أصبحت رمزًا عالميًا. وفي الجزائر، رأيت نساء تحدين الظروف القاسية، ودرسن على ضوء الشموع أو في البيوت البسيطة خلال العشرية السوداء، وأصبحن اليوم قاضيات وطبيبات ومحاميات.
جمعيات في الجنوب الجزائري تفتح أقسامًا لتعليم البنات في الخيم والبيوت، لضمان عدم انقطاعهن عن الدراسة. هذه النماذج تثبت أن التعليم يغير المصير، مهما كانت التحديات كبيرة.
العوائق أمام تعليم الفتيات
اقتصادية: تكاليف الدراسة من مواصلات وكتب وملابس، وأحيانًا يُفضل أن تعمل البنت في المنزل.
اجتماعية وثقافية: الزواج المبكر، والعقلية الذكورية التي ترى مكان الفتاة في البيت.
أمنية وسياسية: الحروب والنزاعات تغلق المدارس، وتُعرض البنات لمخاطر عند الذهاب إلى المدرسة.
مقارنة بين دول المنطقة
تونس: نسب تعليم البنات الأساسية أكثر من 95%.
المغرب: مناطق ريفية كثيرة لا تزال تواجه انقطاعًا.
مصر: التحدي الأكبر في المناطق الفقيرة والصعيد.
الجزائر: رغم نسب تعليم ابتدائي عالية (>98%)، يرتفع التسرب في التعليم المتوسط والثانوي، خاصة في المناطق النائية.
الحلول من وجهة نظري
توفير مدارس آمنة وقريبة، ومنع الزواج المبكر.
إطلاق حملات توعية ودعم الأسر الفقيرة لتعليم بناتها.
الإعلام: تغيير الصورة النمطية، وإبراز نساء ناجحات كنماذج.
الشباب: الكتابة، الكلام، والدفاع عن حق كل فتاة في التعليم، لأن التغيير يبدأ بأصواتنا.
إسقاطات على المستقبل
لو حصلت كل فتاة على حقها في التعليم:
نساء في البرلمان، مجالس الوزراء، ومواقع القرار.
اقتصاد أقوى بدخول النساء سوق العمل بكفاءة.
مجتمع أكثر عدلاً، لأن الأم المتعلمة تربي أطفالًا يحترمون الحقوق.
ثقافة جديدة تتحول فيها المرأة من "موضوع نقاش" إلى "صانعة قرار".
مستقبلنا يبدأ من مقعد دراسة تجلس عليه فتاة صغيرة تحمل حقيبتها وتضحك. تعليم المرأة ليس رفاهية، بل حياة. مجتمع يترك بناته بلا علم يعيش في الظلام، ومجتمع يفتح المدارس أمامهن يبني طريقه نحو العدالة والحرية والتقدم.
مرسلي هاجر – كاتبة شابة من الجزائر، مهتمة بقضايا المرأة والعدالة الاجتماعية، مؤمنة بقوة الكلمة في إحداث التغيير.
الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.





Comments