top of page
  • Instagram

حرية التعبير في غزة: بين القصف والصمت

  • Writer: سناء أبو مدين
    سناء أبو مدين
  • Oct 16
  • 3 min read

بقلم سناء أبو مدين


ree

في غزة، لا تحتاج حرية التعبير إلى تعريفات أكاديمية أو نصوص قانونية، يكفي أن تنظر إلى وجوه الصحفيين وهم يودّعون زملاءهم على أبواب المستشفيات المزدحمة بالجثامين. هنا، يصبح الصوت أثقل من الرصاص، والكلمة أغلى من الروح.


حين يرفع الصحفي كاميرته لالتقاط صورة لطفل ممدد تحت الركام، فهو لا يمارس مهنته فحسب، بل يخوض مغامرة حياتية في مواجهة آلة عسكرية لا تعرف معنى لحرية التعبير. ومع ذلك، لا يتوقف الصوت الغزّي عن الصدح. يخرج من بين أنقاض البيوت، من مدارس تحولت ملاجئ، ومن حناجر أمهات يودعن أبناءهن على وقع القصف المستمر.


حرية التعبير هنا ليست مجرد حق قانوني، بل فعل مقاومة يومي. الكلمة تُكتب بالدم، وتُسجَّل بالصوت المرتجف وسط القصف، وتُنشر على منصات التواصل لتصل إلى عالم قد يختار أن يغضّ الطرف. ومع ذلك، يصرّ الغزيون على أن يُسمع صوتهم: "نحن هنا… لم نُمحَ بعد."


الصوت الذي لا ينكسر


منذ اندلاع الحرب الأخيرة، استشهد عشرات الصحفيين في غزة، بعضهم تحت أنقاض منازلهم، وآخرون بينما يمسكون كاميراتهم. ومع كل استشهاد، لم ينكسر الصوت. بل على العكس، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منابر بديلة، حيث نقل المواطنون قبل الصحفيين قصصهم للعالم.


الهاتف المحمول أصبح كاميرا توثيقية، والكلمة على "فيسبوك" أو "تويتر" شهادة تُضاف إلى ذاكرة جماعية يصرّ الغزيون على حمايتها. حرية التعبير في غزة لم تعد امتيازًا نخبوياً، بل مسؤولية جماعية يشارك فيها كل من بقي على قيد الحياة.


ما بين الحق والقيد


حرية التعبير حق كفله القانون الدولي، لكنها تصطدم في غزة بجدار الواقع. من جهة، الاحتلال يسعى لإسكات أي صوت يفضح جرائمه عبر القصف، الاغتيال، والاعتقال. ومن جهة أخرى، يواجه الصحفيون تحديات أخرى: ضعف الإمكانات، انقطاع الكهرباء والإنترنت، وصعوبة الوصول إلى مناطق الأحداث.


لكن التحدي الأخطر يكمن في محاولة محو الرواية الفلسطينية، سواء عبر حجب المحتوى على منصات التواصل أو من خلال حملات التشويه الإعلامي. ومع ذلك، يبقى الصوت الفلسطيني قادرًا على اختراق الصمت العالمي، ولو عبر صورة واحدة أو مقطع قصير.


ذاكرة جماعية لا تمحى


حرية التعبير في غزة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة الجماعية. كل كلمة تُقال، كل صورة تُلتقط، تصبح وثيقة تحفظ للأجيال القادمة ما حاول الاحتلال طمسه. الصحافة هنا ليست مجرد مهنة، بل واجب وطني وإنساني.


أطفال فقدوا مدارسهم يكتبون على الجدران المهدمة: "سنعود لنتعلم". نساء ثكالى يرفعن صور أبنائهن في جنازات حاشدة. شباب يغامرون بالذهاب إلى مناطق القصف لتوثيق الحقيقة. كل هؤلاء يمارسون حرية التعبير بطريقتهم الخاصة، ويضيفون لبنة جديدة في جدار الذاكرة الفلسطينية.


ما وراء الصمت الدولي


في المقابل، يواجه الغزيون صمتًا دوليًا مخزيًا. يُقتل الصحفيون ويُمنع دخول المساعدات، بينما تكتفي العواصم الكبرى ببيانات "قلق" باهتة. هذا الصمت يزيد من إصرار الغزيين على إيصال أصواتهم، كأنهم يقولون للعالم: إن لم تسمعونا، سنجبركم على الرؤية.


هنا، تتجاوز حرية التعبير بعدها القانوني والسياسي، لتصبح مسألة وجود. الصوت الفلسطيني ليس ترفًا، بل خط الدفاع الأخير عن هوية شعب مهدد بالمحو.


الكلمة كفعل مقاومة


حرية التعبير في غزة هي مقاومة بحد ذاتها: مقاومة للقصف، للنسيان، وللتزييف. كل مقال يُكتب، كل تقرير يُنشر، وكل فيديو يُبثّ، هو إعلان صريح بأن الصوت لا يموت.


قد تُهدم البيوت وتُمحى الشوارع، لكن ما دام هناك من يكتب ويروي ويصرخ، ستظل غزة حاضرة في الوعي العالمي. الصوت الغزي ليس مجرد حق، بل حياة كاملة، حياة تقول للعالم: لسنا أرقامًا… نحن بشر نحلم ونحب ونريد أن نعيش.


سناء أبو مدين، إعلامية فلسطينية من غزة، تعمل على إنتاج تقارير إنسانية وأخبار رقمية تهدف لنقل صوت غزة إلى العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.


Comments


bottom of page