top of page
  • Instagram

المساحة المدنية في تونس تحت الحصار: هل بإستطاعة الشباب والنساء والمؤسسات الصمود أمام الانحدار السلطوي؟

  • Writer: أسماعيل سيسكاوي
    أسماعيل سيسكاوي
  • Sep 4
  • 3 min read

بقلم إسماعيل سيسكاوي


المساحة المدنية في تونس تحت الحصار: هل يستطيع الشباب والنساء والمؤسسات الصمود أمام الانحدار السلطوي؟
احتجاجات الباردو، تونس، تونس 26 تموز2021 © حسن مراد

مع تصاعد الاعتقالات ذات الدوافع السياسية وتآكل الاستقلال القضائي، يواجه الشباب والنساء في تونس عقبات متزايدة، في وقت تهدد فيه البطالة المرتفعة وتقلص الحقوق القدرة على الصمود المدني.


تشهد المساحة المدنية في تونس تراجعًا مستمرًا. فمنذ استحواذ الرئيس قيس سعيد على السلطة في 2021، تتعرض المؤسسات التي كانت تحفز مشاركة المواطنين، بما في ذلك المحاكم، والمجتمع المدني، والأحزاب المعارضة، لضغوط كبيرة. ارتفعت الاعتقالات ذات الدوافع السياسية بشكل كبير، حيث تم توقيف أكثر من 50 شخصًا، من بينهم 22 اعتقالًا تعسفيًا، و14 يواجهون احتمالات صدور أحكام بالإعدام، وفق تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في نيسان 2025.


ويشير النقاد إلى أن القضاء أصبح يخدم مصالح السلطة التنفيذية أكثر من خدمة العدالة.

فقد ذكرت هيومن رايتس ووتش أن أكثر من 80 ناشطًا وصحفيًا ومحاميًا ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد تم احتجازهم لأسباب سياسية في تشرين الأول 2024. تستمر موجة القمع حتى منتصف 2025، حيث وثقت وكالة رويترز اعتقال الناشطة شريفة الرياحي، التي تم احتجازها في أيار 2024 لمساعدتها المهاجرين، وما زالت محتجزة دون محاكمة. ويعاني القطاع المدني في تونس من اختناق كبير.


فجمعية "آي واتش" المعنية بمكافحة الفساد، والتي كانت نشطة سابقًا، أصبحت الآن معاقة بسبب تجميد الأصول والمداهمات والمضايقات القانونية. كما ضعفت قوة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان سابقًا صوتًا مؤثرًا، بفعل الملاحقات القضائية.


في تموز2025، خرج محتجون في مسيرات تحت شعار "الجمهورية سجن كبير"، معبرين عن احتجاجهم على تحول البلاد إلى "سجن مفتوح". وقد خفض مؤشر "سيفيكوس مونيتور"، الذي يقيم الحريات المدنية حول العالم، تصنيف تونس إلى "مكبوتة" في أوائل 2023. ويعكس هذا التراجع تزايد استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المعارضين، ومداهمات الإعلام المستقل، وتشديد قواعد تسجيل وتمويل المنظمات غير الحكومية.


رغم أن تونس كانت سابقًا رائدة في المنطقة في مجال مشاركة الشباب والابتكار، إلا أن الشباب اليوم يواجهون واقعًا اقتصاديًا صعبًا. فقد ظل معدل البطالة بين الشباب فوق 40٪ بحلول 2024، وفق معهد الدراسات الأمنية، ما يدفع إلى الهجرة، والتشاؤم، وانسحابهم من العمل السياسي. ورغم المستوى التعليمي المرتفع، تظل فرص العمل الرسمية محدودة، حيث شكل القطاع غير الرسمي في 2023 نحو 36.5٪ من إجمالي التوظيف، ما يعكس محدودية الامتصاص الرسمي لسوق العمل. هذا الواقع يرفع مخاطر هجرة العقول ونشوء جيل غير مرتبط ومتعطل.


أما فيما يخص حقوق المرأة، فتظل تونس تحتفظ بإطار قانوني رائد على مستوى المنطقة. ومنذ إقرار قانون 2017 الذي يحظر أحكام "تزوجِ من اغتصبكِ"، أحرزت تونس تقدمًا قانونيًا رمزيًا. ويؤكد الدستور التونسي على المساواة بين الجنسين وفق ما أشارت إليه هيومن رايتس ووتش، لكن التطبيق لا يزال متأخرًا.


وقد ألغى الدستور نفسه حصص التمثيل النسائي في القانون الانتخابي، وانخفضت المقاعد النسائية في المجلس الوطني البالغ 161 مقعدًا إلى 25 مقعدًا فقط. وتستمر الفجوات في البطالة، إذ بلغت البطالة بين النساء في 2022 نحو 23.6٪ مقابل 13٪ للرجال، كما أن الأجور تبقى أقل بحوالي 25٪ مقارنة بالرجال عن نفس العمل.


وفي المقابل، يظل قانون 2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة ناقص الموارد. فقصور الاستجابة من قبل الشرطة والقضاء ونقص الملاجئ يضعف القدرة على الحماية. إضافة إلى ذلك، تستمر العوائق الثقافية وأعباء العمل في تقييد القدرة الاقتصادية للنساء.

كما أعاد دستور 2022 تحديد هوية الدولة، حيث تنص المادة الخامسة على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية، ما يوجه الدولة للعمل وفق مقاصد الإسلام. وهذه اللغة تزيد من سلطة التنفيذ على الحدود الدينية والأخلاقية، بالتوازي مع إنهاء استقلال القضاء، حيث تم حل المجلس الأعلى للقضاء في أوائل 2022، وفصل عشرات القضاة.


تواجه حرية التعبير والصحافة خطرًا متزايدًا مع القوانين مثل المرسوم الواسع لمكافحة الجرائم الإلكترونية 2022، الذي يحد من حرية النقد.

تواجه تونس مفترق طرق: إما تعميق التراجع الديمقراطي أو المضي في إعادة البناء الاستراتيجية. يجب أن تكون الإصلاحات شاملة، تشمل استعادة الاستقلال القضائي عبر إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، وإزالة التدخلات السياسية، وضمان المحاكمات العادلة؛ وإحياء المؤسسات المدنية من خلال رفع القيود عن المنظمات غير الحكومية، وإسقاط التهم ذات الدوافع السياسية، وحماية الإعلام ومساحة النشاط المدني والنقابي؛ ومعالجة بطالة الشباب عبر برامج الوظائف الأولى، والتدريب المهني، وتحفيز القطاع الخاص؛ وتطبيق الحماية القانونية للنساء عبر تمويل الخدمات ودعم المساواة عمليًا، واستعادة آليات التوازن بين الجنسين؛ والحفاظ على الحوكمة العلمانية عبر توضيح الأحكام الدستورية الدينية لمنع التجاوزات التنفيذية تحت ذريعة الرقابة الأخلاقية.


النسيج المدني في تونس يتعذب تحت الضغوط. فضعف المؤسسات، وتهميش الشباب اقتصاديًا، والتقدم غير الكافي في حقوق المرأة يعزز التوازن السلطوي الاستبدادي. ومع ذلك، تبقى الروح المدنية من محتجين وناشطين ومدافعات عن حقوق النساء مستمرة. إن نجاح هذه الروح في الحصول على دعم مؤسسي واقتصادي واجتماعي سيحدد ما إذا كانت تونس ستستعيد الديمقراطية الشاملة والديناميكية التي وعدت بها سابقاً، أو ستصبح مثالًا تحذيريًا لتراجع الديمقراطية.


إسماعيل سيسكاوي صحفي وناشط حقوقي تونسي مكرس لبناء مستقبل أفضل لتونس.


الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب فقط ولا تمثل آراء نيسابا ميديا.

Comments


bottom of page