الأردن تواجه مستقبلاً غامضاً بعد إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
- أحمد عرفات

- Sep 7
- 3 min read
بقلم أحمد عرفات

في الأول من تموز/يوليو 2025، أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عملياتها حول العالم. جاء الإغلاق بعد سلسلة من القرارات بدأت بأمر تنفيذي مطلع العام فرض تجميداً شاملاً للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، ما أدى إلى مراجعة آلاف البرامج.
وبحلول آذار/مارس، كانت الإدارة الأمريكية قد ألغت نحو 83% من مشاريع الوكالة، أي ما يقارب 5,200 عقد، ونقلت نحو ألف برنامج إلى وزارة الخارجية. وبحلول تموز/يوليو، كانت الوكالة قد أنهت أعمالها رسمياً، بعد تسريح أكثر من 90% من موظفيها. وهكذا طويت صفحة ما كان يُعَد أبرز أذرع التنمية الأمريكية.
ضربة قاسية للأردن
بالنسبة للأردن، أحد أكبر المستفيدين من المساعدات الأمريكية على أساس نصيب الفرد، فإن نهاية الوكالة ليست مجرد حدث رمزي. إنها تعني خسارة مفاجئة لتدفقات مالية بمليارات الدولارات كانت ركيزة أساسية للمالية العامة والخدمات وحتى الاستقرار السياسي.
تاريخ طويل من الدعم
على مدى عقود، شكّلت واشنطن شريان حياة مالي لعمان. ففي عام 2023، قدّمت الولايات المتحدة تحويلًا نقدياً مباشراً بقيمة 845.1 مليون دولار إلى خزينة الأردن، وهو الأكبر من نوعه بين الحكومات.
وخلال عامي 2023–2024، بلغت الالتزامات الأمريكية للأردن مليارات الدولارات، وشملت دعماً مباشراً للموازنة وتمويلاً عسكرياً ومشاريع تنموية في قطاعات المياه والتعليم والصحة. وتشير بيانات ميزانية الوكالة إلى أن هذه التدفقات لم تكن رمزية بل ضرورية لاستقرار المالية العامة في المملكة.
قال أحد الاقتصاديين في عمّان لـ"نيسابا ميديا": "المساعدة المتوقعة أكثر قيمة من المساعدة السخية. وبدونها يصبح الموازنة معادلة ديون وتأجيلات."
أين ذهبت الأموال؟
موّلت مشاريع الوكالة في الأردن طيفاً واسعاً من القطاعات: إصلاح أنظمة المياه، تحديث المستشفيات، تدريب المعلمين، ودعم إصلاحات الحوكمة. كما ساعدت المساعدات الإنسانية الأردن في تحمّل أعباء استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين.
أما الدعم المباشر للموازنة، فمكّن الحكومة من خدمة الدين وتقليص العجز في سنوات حرجة. ومع محدودية الإيرادات وارتفاع البطالة، شكّلت المساعدات الأمريكية شبكة أمان أساسية.
أزمة مالية متفاقمة
كانت مالية الأردن تحت ضغط حتى قبل انهيار الوكالة. إذ يقترب الدين العام من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتلتهم خدمة الدين حصة كبيرة من الموازنة السنوية، ما يترك حيزاً محدوداً للاستثمار أو لتوسيع الحماية الاجتماعية.
يكشف قانون الموازنة العامة لعام 2025 عن هذه الضغوط: احتياجات اجتماعية متزايدة، إيرادات شبه راكدة، واعتماد كبير على التمويل الخارجي الميسر. وبدون التحويلات المنتظمة من USAID، لم يبق أمام الأردن سوى مزيد من الاقتراض أو تقليص النفقات أو اللجوء إلى دبلوماسية محمومة.
البعد الإنساني: الشباب في دائرة الخطر
الشباب الأردنيون من بين الأكثر عرضة للتأثر. إذ تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن بطالة الشباب تقارب 40%، وترتفع بشكل أكبر لدى النساء. ومع تجميد التمويل ثم توقفه، أبلغت منظمات غير حكومية عن تسريحات وتأخيرات في دفع الرواتب. وتقلّصت برامج التدريب والتوظيف الموجهة للشباب أو توقفت كلياً.
قال ناشط مدني أردني لـ"نيسابا ميديا": "عندما تتوقف مشاريع المانحين، لا يخسر الشباب الوظائف فقط بل يخسرون الأمل أيضاً."
ارتدادات على الأرض
بدأت آثار إغلاق الوكالة العالمي تضرب الأردن قبل الموعد الرسمي. ففي أواخر 2024، ذكرت قناة الجزيرة أن الوكالة جمّدت عقوداً جديدة وتجديدات بانتظار قرار واشنطن. وكانت مشاريع الصحة والخدمات البلدية وسبل العيش أولى الضحايا.
واجه المقاولون أزمات سيولة، وأجّلت البلديات مشاريع بنى تحتية، وقلّصت المنظمات غير الحكومية برامجها. وكشفت هذه الاضطرابات مدى اعتماد المنظومة التنموية الأردنية على مانح واحد.
البحث عن بدائل
تحرك الأردن سريعاً لملء الفراغ. فقد حصلت عمّان على تعهدات من الاتحاد الأوروبي وشركاء خليجيين ومؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد. ورفع الاتحاد الأوروبي دعمه المباشر للموازنة، فيما ألمحت دول الخليج إلى منح أو قروض إضافية. لكن هذه التعهدات تبقى أصغر وأقل استقراراً من حجم المساعدات الأمريكية. وعلى عكس منح USAID، فإن القروض الميسّرة تضيف عبئاً جديداً على الدين.
الصورة الأوسع
لطالما استثمر الأردن دوره كشريك مستقر في منطقة مضطربة لجذب المساعدات الخارجية. ويكشف إغلاق USAID هشاشة أعمق: الاعتماد. فبدون نمو الإيرادات المحلية وخفض الدين وتنويع الاقتصاد، سيبقى أمن المملكة المالي رهينة للتحولات الخارجية.
وبالنسبة للأردنيين، فالأمر ليس مجرد شأن دبلوماسي، بل يتعلق بالحياة اليومية.
وكما قال أحد قادة الشباب لـ"نيسابا ميديا": "لا نناقش سياسات المساعدات في المقاهي، بل نناقش ما إذا كان هناك عمل غداً."
الأرقام واضحة: مليارات من المساعدات الأمريكية المنتظمة تبخرت؛ الدين يضغط على الناتج؛ والبطالة بين الشباب ما تزال خانقة. بالنسبة للأردن، لم يكن إغلاق الوكالة مجرد رجّة دبلوماسية، بل صدمة مالية. ما إذا كانت عمّان ستتجاوز العاصفة يعتمد على سرعة وموثوقية الشركاء الجدد، وعلى قدرة الإصلاحات الداخلية على فتح المجال للنمو. وبدون الأمرين معاً، تخاطر المملكة باستبدال تبعية بأخرى، وبكلفة بشرية باهظة.
أحمد عرفات، كاتب فلسطيني-فرنسي وأستاذ في العلوم السياسية المقارنة، وباحث مقيم في مدينة كان، فرنسا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب حصراً ولا تمثّل بالضرورة مواقف "نيسابا ميديا".





Comments