top of page
  • Instagram

سوريا: تقرير منظمة العفو الدولية يكشف عن إعدامات جماعية بحق المدنيين الدروز في السويداء

  • Writer: نيسابا ميديا
    نيسابا ميديا
  • Sep 2
  • 4 min read
ree

كشف تحقيق جديد لمنظمة العفو الدولية عن أدلة مروّعة تشير إلى أن قوات الحكومة السورية وميليشيات موالية لها نفذت إعدامات بحق عشرات الرجال والنساء من الطائفة الدرزية في محافظة السويداء خلال شهر تموز، فيما وصفته المنظمة بأنه مشهد صارخ للإفلات من العقاب وللعنف الطائفي.


وأكدت المنظمة أن مقاطع فيديو موثقة وشهادات شهود عيان أظهرت مسلحين بزي رسمي يقتلون مدنيين عزل بشكل متعمد في ساحات عامة ومنازل ومدارس وحتى داخل أحد المستشفيات.


وبحسب التقرير الذي نُشر في الثاني من أيلول، وثّقت العفو الدولية إعدام ما لا يقل عن 46 مدنياً، بينهم 44 رجلاً وامرأتان، على مدار يومي 15 و16 تموز. وأشارت إلى أن عمليات القتل تمت بشكل ممنهج من قبل قوات الأمن السورية ومقاتلين مرتبطين بها، بعضهم ظهر وهو يتعاون مع رجال يرتدون شارات مرتبطة بتنظيم "داعش".


وفي العديد من الحالات، قام المنفذون بتصوير أنفسهم أثناء تنفيذ الإعدامات، الأمر الذي يثير تساؤلات حول التواطؤ الرسمي والانهيار الكامل لآليات المساءلة داخل سوريا.


وقالت ديانا سمعان، الباحثة في الشأن السوري لدى العفو الدولية: "إن هذه الانتهاكات المروعة تذكير قاتم بعواقب الإفلات من العقاب على جرائم القتل ذات الطابع الطائفي في سوريا. عندما تقوم قوات الأمن أو الجيش بقتل أشخاص عمداً، أو عندما تفعل ذلك قوات موالية لها بموافقة أو تواطؤ حكومي، فهذا يشكل إعداماً خارج نطاق القضاء ويُعد جريمة بموجب القانون الدولي".


إعدامات في وضح النهار


أفاد التقرير بأن عمليات القتل وقعت بعد دخول قوات حكومية إلى مدينة السويداء يوم 15 تموز بحجة "إعادة الاستقرار" عقب اشتباكات بين مجموعات درزية مسلحة ومقاتلين من عشائر بدوية. ورغم فرض حظر تجول، انتشر رجال بزي عسكري في أحياء المدينة ونفذوا الإعدامات بشكل علني.


أظهرت مقاطع فيديو تم التحقق منها عناصر مسلحة يطلقون النار على محتجزين عُزّل من مسافة قريبة. أحد المقاطع صوّر ثمانية رجال دروز مجبرين على الركوع في ساحة تشرين قبل أن يُعدموا على يد فرقة إعدام ترتدي أزياء عسكرية متنوعة. وأكد شهود أن عمليات القتل وقعت صباح 16 تموز، وأن القوات الحكومية كانت متواجدة في الساحة خلال ذلك الوقت.


في مقطع آخر، قُتل ثلاثة رجال من عائلة العرنوس داخل شقة سكنية بعدما أُجبروا على الصعود إلى شرفة المبنى، ثم أُطلقت عليهم النيران. وعُثر لاحقاً على جثثهم بالقرب من المبنى الذي يقع على بُعد 150 متراً فقط من مقر الشرطة العسكرية الخاضع لسيطرة القوات الحكومية.


كما وثّقت العفو إعدام رجل في قرية "الثعلة" بريف السويداء بعد أن سأله عناصر مسلحون في باحة مدرسة عن طائفته، وعندما أجاب بأنه درزي أطلقوا النار عليه فوراً. وأكد سكان القرية أن الحادثة وقعت يوم 15 تموز على يد رجال بزي عسكري وآخرين يرتدون زي الأمن العام.


شهادات صادمة من الأهالي


روى أبٌ فقد ثلاثة من أبنائه وثلاثة من أبناء إخوته كيف أوقفهم عناصر بزي أسود عند حاجز عسكري. شاهد الرجل من مرآة سيارته الخلفية ابنه يبتسم للجنود ويرحب بهم، لكنهم بادروا بإطلاق النار عليه ومن معه دون إنذار. وقال: "أكثر ما آلم قلبي أنني رأيت جسد ابني يتلوى مع الرصاص وهو يخترقه".


أما سيدة أخرى فقد روت كيف طمأن مسلحون أشقاءها وابن شقيقها وأخرجوهم من منزلهم قرب المستشفى الوطني، قبل أن يعدموهم في مبنى غير مكتمل البناء مجاور. وعندما انسحبت القوات الحكومية في اليوم التالي، وجد الأهالي الجثث ملقاة. وأضافت: "ظننا أننا كمدنيين سنكون في مأمن، لكنهم قتلونا بدم بارد".


ومن أبشع الجرائم، ما وثقته كاميرات المراقبة في المستشفى الوطني، حيث أُعدم العامل الطبي محمد رفيق البحساص أمام زملائه. أظهر الفيديو عناصر بزي عسكري وآخرين بزي الأمن العام وهم يجبرون العاملين على الركوع، ثم اقتادوا البحساص بعيداً وأطلقوا النار عليه من مسافة قريبة.


دوافع طائفية وإهانات متعمدة


رصد التقرير أيضاً أعمال إذلال استهدفت المدنيين الدروز، مثل ترديد شعارات طائفية وحلق شوارب رجال دين قسراً، وهي ممارسة لها دلالة رمزية في المجتمع الدرزي. وأشارت المنظمة إلى أن ذلك يؤكد الطابع الطائفي للجرائم التي ارتكبت.


واعتمدت العفو على مقابلات مع 15 شاهداً، بينهم ثمانية أشخاص فقدوا أقاربهم، إضافة إلى تحليل 22 مقطع فيديو وصورة منشورة على وسائل التواصل أو مقدمة للمنظمة مباشرة.


إنكار حكومي وصمت رسمي


اعترفت وزارة الدفاع السورية بوقوع "انتهاكات صادمة" في السويداء على يد "جهة مجهولة ترتدي الزي العسكري"، لكنها لم تتحمل أي مسؤولية. وأعلنت وزارة العدل يوم 31 تموز تشكيل لجنة للتحقيق، من دون أن تكشف عن نتائج حتى الآن.


وذكرت العفو أنها خاطبت وزيري الداخلية والدفاع السوريين في 12 آب لمطالبتهم بمعلومات عن التحقيق والإجراءات المتخذة، لكنها لم تتلق أي رد.


خلفيات التصعيد


جاءت هذه الأحداث بعد أيام من التوتر في الجنوب بين مجموعات درزية مسلحة ومقاتلين بدو، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة. وفي 15 تموز، دخلت القوات الحكومية مدينة السويداء وفرضت حظر تجول، بينما نفذت إسرائيل في اليوم نفسه غارات جوية أسفرت عن مقتل 15 جندياً سورياً على الأقل.


أدت تقارير الانتهاكات إلى تجدد القتال بين المجموعات الدرزية والقوات الحكومية، وانتهت بانسحاب القوات الرسمية من المدينة ليلة 16 تموز. كما تلقت العفو تقارير موثوقة عن عمليات خطف نفذتها مجموعات درزية ومسلحون بدو في أعقاب الأحداث، وما زالت تحقق في هذه الوقائع.


تداعيات الأحداث على الأقليات السورية


أعادت المجزرة إثارة مخاوف الطائفة الدرزية، التي حاولت على مدى سنوات الحرب الحفاظ على الحياد النسبي. ورغم ذلك، وجدت نفسها عرضة لهجمات متكررة من تنظيم داعش ولعمليات قمع من قبل الدولة.


وشددت سمعان على أن ما جرى في السويداء ليس حادثة معزولة، بل حلقة جديدة في سلسلة جرائم طالت أقليات سورية أخرى، من بينها الطائفة العلوية. وأكدت أن غياب العدالة شجع على استمرار الجرائم بلا خوف من المحاسبة.


كي لا ننسى..


بالنسبة لعائلات السويداء، تبقى الصور والفيديوهات شواهد دامية على فظائع لا تُنسى. أب يرى أبناءه يُقتلون أمام عينيه، امرأة تستيقظ على جثث أشقائها قرب المستشفى، وأطباء يجبرون على مشاهدة زميلهم يُعدم.


إن مقتل 46 مدنياً درزياً في السويداء يعكس نمطاً أوسع من العنف الممنهج في سوريا، حيث يُترك الضحايا بلا عدالة. ويحذر تقرير العفو من أن تجاهل هذه الجرائم لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات الطائفية وإطالة أمد دائرة الانتقام، ما يقوّض أي أمل في المصالحة أو بناء سلام مستدام.

Comments


bottom of page